الجمعة، 18 أبريل 2014

السيد ضياء الخباز: الدعوى المهدوية ودعاوى ابن كاطع

 (وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).
ان هذا المدعي استدل بأدلة واهية على دعوته المزعومة ألا وهي دليل الرؤى والمنامات، ودليل الاستخارة، وأنّ كلا الدليلين لا ينهض لاثبات منصب كمنصب الإمامة.
إنّ ابن كاطع استدل لاثبات دعوته هذه المرة بدليل آخر وهو إقامة المعجزة، وإنّه غير ناهض أيضاً ولا يقوم دليلاً لاثبات هذه الدعوى الباطلة وذلك من خلال المحاور التالية.
١. المعجزة من سنخ الادلة البرهانية.
٢. شرط الاعجاز أنْ يكون خارقاً للعادة.
٣. عدم القدرة على الإتيان بمثله، أي من قبل غير المدعي.
٤. إمكان دعوى صاحب المعجز عقلاً وشرعاً.
٥. أنْ يكون صدور الفعل الخارق في وقت التحدي.
٦. ما صدر من الفعل الخارق قبل الدعوى لا يقال له معجز.
٧. تطابق الفعل الخارق للعادة مع دعوى صاحبه.
١. المعجزة من سنخ الأدلة البرهانية:
الأدلة اقناعية وبرهانية، وان المعجزة من سنخ الادلة البرهانية، وليست من سنخ الادلة الاقناعية بمعنى ان المعجزة تكون دليلاً معتمداً على مقدمات عقلية مسلّمة الثبوت عند من يريد أنْ يستدل بدليل المعجزة. فكيف تكون المعجزة دليلاً برهانياً؟
ومن قبيل الأدلة البرهانية هو جواب الإمام علي عليه السلام عندما سأله سائل: هل يستطيع ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة؟
أجاب عليه السلام فقال: (ربنا لا يوصف بالعجز ولكن الذي سألت عنه لا يكون).
وفي نفس المسألة أجاب الإمام الصادق عليه السلام، فقال: (...ألك حواس؟ قال بلى، قال عليه السلام ما أصغرها؟ قال: النظر، قال عليه السلام كم مقدارها؟ قال بمقدار العدسة أو أقل من ذلك. قال عليه السلام ... فانظر فوقك وأمامك ماذا ترى؟ قال: أرى سماءً وأرضاً وبيوتاً وقصوراً ورمالاً. قال عليه السلام إنّ الذي قدر أن يدخل الجبال والسماء والأرض والقصور والبيوت في هذه العدسة لهو قادر أن يدخل الدنيا في بيضة...
نجد جواب أمير المؤمنين عليه السلام هو من سنخ الأدلة البرهانية، بينما أن جواب الإمام الصادق عليه السلام هو من قبيل الأدلة الاقناعية.
إنّ الله تعالى عندما أرسل الأنبياء وبعث الرسل ونصب الأئمة، له غرض من ذلك لأنّ افعال الله معللة بالأغراض ولايمكن ان يتهم الباري بالعبث. فالهدف من بعث كل هؤلاء هو أنْ يكونوا مبشرين ومنذرين، وقد أرسلوا من أجل هداية الناس فالناس يأخذون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما تثبت نبوته عندهم، ويأخذون من الرسول عندما تثبت رسالته، فكيف يثبتها إذن. ذلك من خلال المعجزة التي تظهر على يده، فلمّا يظهر المعجزة يثبت بذلك نبوته وانّه متصل بالسماء. فلو أظهر الله تعالى المعجزة على يد الكاذب وسمح بظهور المعجز على يد المدعي للنبوة، وإن كان كاذباً، كذلك مدّعي الإمامة لكان ناقضاً لفرضه عزوجل لأنّه لم يبق ما يميز به بين النبي ومدعي النبوة، وبالتالي لا يتحقق الغرض الإلهي، ويكون إرسال الأنبياء عبثا.
فمن اجل أنْ يحافظ الباري على غرضه ولا تتهم ساحته بالعبث يجب أن يحصر المعجزة بالصادق حتى ينسدّ باب الادعياء ويتميز الرسول عن غيره، كذلك ويميز الإمام.
إذن هناك مقدمات عقلية موجودة، فعندما تظهر المعجزة من شخص، فإنّ هذه المعجزة هي دليل ارتباطه بالله. فالمعجزة لو ظهرت من الكاذب لأوجبت عدم تمييز الرسل من غيره، وعدم التمييز يوجب نقص الغرض، ونقص الغرض لايمكن أنْ يتحقق من الله، إذن فالمعجزة لا تصدر إلاّ من الصادق، ومتى ما صدرت تثبت اتصاله بالله، فالمعجزة دليل برهاني وليست دليلاً إقناعياً.
٢. شرط الإعجاز أنْ يكون خارقاً للعادة:
كما أنّه ولأجل أن يكون الفعل خارقاً للعادة، أي إعجازاً فلابد من توفر شروط ستة، أولها هو أن يكون خارقاً للعادة.
فعلماء الكلام يقولون إنّ اوّل شرط لتحقيق الإعجاز هو أنْ يكون الفعل خارقاً للعادة. أي عدم القدرة على الإتيان بمثله، ومن هنا يمكننا أن نميّز بين السحر والمعجزة، نعم إنّ السحر خارق للعادة ولكن يمكن الإتيان بمثله.
فكيف آمن السحرة بالنبي موسى عليه السلام مع أنّهم كانت عندهم أفعال خارقة للعادة، وكانوا هم اساتذة في مهنهم، ولكن لما ظهر الفعل الخارق للعادة من موسى عليه السلام وعلموا أنهم لا يمكن الإتيان بمثله علموا أنها معجزة لا يمكن أن يهدى بها إلاّ من اتّصل بالسماء، لذا آمنوا برب موسى عليه السلام.
٣. عدم القدرة على الإتيان بمثله:
المحالات على قسمين، عادية وعقلية، فالعقلية أمور مستحيلة بحكم العقل، مثل اجتماع النقيضين كأن يكون الشخص إنساناً ولا إنسان في الوقت نفسه.
والمحالات العادية، هي التي لا يمنع العقل من تحققها، ولكن العادة تمنع من ذلك، فكأن يعرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس، ومنها إلى السماوات ثم يرجع في نفس الليلة، فهذا بحكم العقل غير ممتنع لكن العادة تمنعه.
٤. امكان دعوى صاحب المعجز عقلاً وشرعاً:
وهو الشرط الثاني، والذي إذا تحقق في الفعل فإنّه يكون إعجازاً، أي أنّ الذي يدّعي أنّه صاحب منصب إلهي، رسالة أو إمامة ثم يأتي بفعل خارق _أي المعجزة_ نقول له إنّ هذا ممتنع في الشرع وذلك لقيام الأدلة القطعية على أنّ النبوات قد ختمت بخاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كانت الدعوى ممتنعة عقلاً أو شرعاً، فالفعل الصادر من صاحبها لا يعبر عنه بالمعجزة وإنّما يعبر عنه بالفعل الغريب.
٥. صدور الفعل الخارق في وقت التحدي:
وهو الشرط الثالث، فكلّما صدر المعجز من صاحب الدعوى في وقت التحدي فهو معجزة، وأمّا ما صدر منه في غير هذا الوقت بحسب الإصطلاح الكلامي فلا يعبر عنه بالمعجزة وإنّما يعبر عنه بالكرامة أي بحسب الدقة العلمية لا يعبر عما يصدر في غير وقت التحدي بالمعجزة.
٦. ما صدر قبل زمن الدعوى لا يقال له معجز:
إنّ تصدع ايوان كسرى عند ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانشقاق جدار الكعبة قبل ولادة الإمام علي عليه السلام. لاتعتبر معاجز وإن كانت خارقة للعادة، ولكنها تقدّمت زمن الدعوى، لذا تسمى هنا ارهاصات أو علامات.
٧. تطابق الفعل الخارق للعادة مع دعوى صاحبه:
ثمّة أمر آخر أو شرط آخر لقبول الفعل الخارق للعادة لمن ادعى، وهو أنْ يكون هذا الفعل مطابقاً لدعوى صاحبه، ومثال ذلك ما إذا ادعى شخص أنه يمكن أن يفعل فعلاً خارقاً للعادة، وذلك كما ادعى مسيلمة الكذاب بأنه يستطيع أن يبصق في بئر فيفور ماؤها.
ونقول هنا إن هذه الفعل ليس بمعجزة ولكنه لو قال إن هذه البئر التي نقص ماؤها أنا أقدر بمجرد أن أبصق فيها يرجع ماؤها، فهذا متطابق.
إنّ ما يدعيه ابن كاطع لنفسه ويروّج له ادعياؤه واتباعه وهو أنه يعرف قبر الزهراء عليها السلام.
فإن نقول له لنطبق ما جئت به على معايير المعجزة ولنر هل انّ ما تقوله معجزة أوّلاً.؟
ولكن قبل كلّ ذلك وحتى لو جئت بشيء غيبي فما يدرينا أنك صادق في إخبارك هذا فبإمكان أي شخص أن يقول أنني أعرف ذلك وإنّ ادعاءك لا هو بفعل خارق للعادة، من جهة، ولا هو أمر لا يمكن الإتيان بمثله.
كذلك نقول إن (معجزتك) هذه على فرض صحتها فهي ليست بصحيحة ولا تفيد شياً لانّها ممتنعة شرعاً.
إنّ ما ادعيته يا ابن كاطع من انك ابن الإمام وصاحب الأمر وبأنك اليماني، دعوى باطلة فقد قام الدليل على امتناع الذرية والولد.
ونحن نقول لهذا المدعي ان كنت صادقاً في دعواك أن تقوم بمعجزة حقيقية كالمعاجز التي قام بها الأئمة، فشق القمر إلى نصفين، أو يكفينا في ذلك رد الشمس بعد مغيبها، أسمعنا أصواتاً من بين السماء والأرض، يسمعها جميع أهل الدنيا في وقت واحد، تقول إنك حجة الله، فإن لم تستطع فنقول لك:
إنّ الإمامة التي لا دليل عليها ساقطة لاقيمة لها ومزيّف من إدّعاها.
 
المصدر:

الجمعة، 4 أبريل 2014

أخطاء ابن كويطع بحق الأنبياء عليهم السلام - للشيخ علي آل محسن حفظه الله تعالى

إنّا لو نظرنا إلىٰ كتب أحمد إسماعيل كاطع المنسوبة إليه وبياناته وتسجيلاته فإنَّنا نجد فيها كثيراً من الأخطاء الفاضحة التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلاً عن إمام معصوم كما يدَّعيها لنفسه، وحيث إنَّ المقام طويل فإنّي سأقتصـر علىٰ ذكر بعض الأمثلة، وهي عدَّة أنواع:
فإنَّ كتب أحمد إسماعيل اشتملت علىٰ طعون متعدِّدة في مقامات بعض الأنبياء عليهم السلام. 
منها: أنَّه زعم في كتابه (المتشابهات) أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام كان يعتقد بأرباب غير الله تعالىٰ، فقال:
(فإبراهيم عليه السلام لـمَّا كُشِفَ له ملكوت السماوات، ورأىٰ نور القائم عليه السلام قال: «هذا ربّي»، فلمَّا رأىٰ نور علي عليه السلام قال: «هذا ربّي»، فلمَّا رأىٰ نور محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هذا ربّي»، ولم يستطع إبراهيم عليه السلام تمييز أنَّهم عباد إلَّا بعد أن كُشِفَ له عن حقائقهم، وتبيَّن أُفولهم وغيبتهم عن الذات الإلهية، وعودتهم إلىٰ الأنا في آنات، وعندها فقط توجَّه إلىٰ الذي فطر السماوات، وعلم أنَّهم عليهم السلام (صنائع الله، والخلق بعد صنائع لهم) كما ورد في الحديث عنهم عليهم السلام)(2).
ولا يخفىٰ أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام أَجَلُّ وأعرف بالله تعالىٰ من أن يقع في هذه الوقعة العظيمة، فيعتقد أنَّ له أرباباً من دون الله تعالىٰ ولو في بعض الآنات؛ إذ كيف يرىٰ نوراً في السماء فيعتقد أنَّه ربّه، ثمّ يرىٰ نوراً آخر، فينصـرف عن اعتقاده الأوّل، ويعتقد أنَّ هذا النور الثاني هو ربّه، ثمّ يرىٰ نوراً ثالثاً، فيعتقد أنَّ هذا النور هو ربّه!؟
مع أنَّ كلام أحمد إسماعيل خلاف ظاهر الآيات الشـريفة، فإنَّ الله تعالىٰ قال: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: 76)، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: 77)، (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) (الأنعام: 78)، فإنَّه سبحانه وتعالىٰ ذكر أنَّ إبراهيم عليه السلام رأىٰ كوكباً، ثمّ رأىٰ القمر، ثمّ رأىٰ الشمس، وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه ذكر أنَّه إنَّما رأىٰ أنواراً، ولم يرَ كوكباً أو القمر والشمس.
مع أنَّ إبراهيم عليه السلام لم يخبر بأنَّه يعتقد أنَّ هذه المخلوقات أرباباً له، وإنَّما قال: هذا ربّي؟ علىٰ نحو الإنكار والاستخبار، كأنَّه قال: أهذا ربّي؟ منكراً أن يكون هذا ربَّه، ومستخبراً، أي سائلاً لمن يسمعه، فكأنَّه سأله قائلاً: هل تقول: إنَّ هذا ربّي؟
وقوله تعالىٰ: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) (الأنعام: 83) فيه دلالة واضحة علىٰ أنَّ ما قاله إبراهيم عليه السلام إنَّما كان في مقام الاحتجاج علىٰ قومه، وأمَّا علىٰ تفسير أحمد إسماعيل فالأمر ليس كذلك.
وفي الروايات ما يدلُّ علىٰ ما قلناه، فقد روىٰ الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم، قال: حضـرتُ مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسىٰ عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال: «بلىٰ»...
إلىٰ أن قال: فقال المأمون: أشهد أنَّك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقَّاً، فأخبرني عن قول الله عز وجل في حقّ إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)، فقال الرضا عليه السلام: «إنَّ إبراهيم عليه السلام وقع إلىٰ ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزُّهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السَّـرَب(3) الذي أُخفي فيه (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)، فرأىٰ الزهرة قال: (هذا رَبِّي) علىٰ الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ) الكوكب (قالَ لا أُحِبُّ الْأَفِلِينَ)؛ لأنَّ الأُفول من صفات المحدَث لا من صفات القِدَم، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) علىٰ الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)، يقول: لو لم يهدني ربّي لكنت من القوم الضالّين، (فَلَمَّا) أصبح و(رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) من الزهرة والقمر علىٰ الإنكار والاستخبار لا علىٰ الإخبار والإقرار، (فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ) للأصناف الثلاثة من عَبَدَة الزهرة والقمر والشمس: (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْـرِكُونَ 78 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْـرِكِينَ 79)، وإنَّما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبيِّن لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أنَّ العبادة لا تحقُّ لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنَّما تحقُّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتجَّ به علىٰ قومه ممَّا ألهمه الله تعالىٰ وآتاه كما قال الله عز وجل: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ)»، فقال المأمون: لله درّك يا ابن رسول الله(4).
كما أنَّ أحمد إسماعيل زعم أنَّ نبيّ الله يوسف عليه السلام أشرك، فإنَّه قال:
(وأوحىٰ الله ليوسف: إنَّ هذا السجين سينجو، وسيكون قريباً من الملك (برؤيا السجين)، وأوحىٰ الله ليوسف عليه السلام: إنَّ هذا الملك سيُخرجه من السجن، وإنَّ هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن، ولهذا قال له يوسف عليه السلام: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)، أراد بهذا أن يبيِّن لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطرّ في المستقبل إلىٰ ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلىٰ حاله، وليذكره في المستقبل عند الملك، إذ رأىٰ الرؤيا التي ستكون سبباً في خروج يوسف عليه السلام من السجن. وهنا التفت يوسف عليه السلام إلىٰ الأسباب، ومع أنَّه لم يغفل عن مسبِّب الأسباب كما توهَّم بعضهم أنَّه طلب معونة السجين والملك، وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإنَّ يوسف عليه السلام أشرك عندما جعل للأسباب قيمةً ووزناً في ميزانه، وهو عليه السلام الذي لمس آيات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضـىٰ من حياته، وهذا الشـرك الخفي ذُكِرَ في آخر سورة يوسف: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْـرِكُونَ))(5).
وزعم أحمد إسماعيل كذلك أنَّ موسىٰ كان عنده أيضاً شرك الأنا.
قال في كتابه (رحلة موسىٰ إلىٰ مجمع البحرين):
(إذن، جاء موسىٰ عليه السلام للقاء العبد الصالح؛ لأنَّه ظنَّ أنَّه قد حارب نفسه، وقتل الأنا في داخله، فكان المطلوب منه أن يصبر ويحارب نفسه وهو يرافق العبد الصالح، ولا يقول للعبد الصالح: (لو فعلتَ هذا، ولو لم تفعل هذا)، فهو عندما يواجه من هو أعلىٰ منه مقاماً بهذه الأقوال يظهر بجلاء ووضوح الأنا التي في داخله مقابل من هو مأمور باتّباعه والانصياح لأمره. والحقيقة أنَّ الأمر يعود إلىٰ مواجهة موسىٰ عليه السلام مع الله سبحانه وتعالىٰ، فهو في كلّ مرَّة يقول: (أنا) مقابل العبد الصالح يعني أنَّه قال: (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالىٰ، وهذا هو الامتحان بالتوحيد الذي فشل فيه كثير من السائرين إلىٰ الله، أي إنَّهم يستهينون ربَّما بقولهم: (أنا) مقابل خليفة الله أو مقابل أقواله عندما يقترحون بآرائهم مقابل أمر خلفاء الله _ في حين أنَّها (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالىٰ في حقيقتها وواقعها _ وفي حين أنَّهم جاؤوا للامتحان بهذا، فهم يفشلون ودون حتَّىٰ أن يلتفتوا إلىٰ فشلهم)(6).
بل إنَّه نفىٰ العصمة عن موسىٰ عليه السلام في بعض مراتبها، فقال:
(موسىٰ عليه السلام نبي مرسل من الله معصوم منصوص العصمة، ومع هذا يأمره الله سبحانه أن يتَّبع العبد الصالح ولا يخالفه، وهو نفسه قد تعهَّد بعدم المخالفة (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِـي لَكَ أَمْراً)، ولكنَّه أخلف وعده، وخالف العبد الصالح، ولو كانت المخالفة واحدة وفي مرَّة واحدة لهانت، ولكنَّه خالف في كلّ الامتحانات والاختبارات، فهي كانت ثلاثة، وخالف في ثلاثتها، يعني موسى عليه السلام هنا قد خالف أمر الله، وإذا لم تشأ قَوْل: (إنَّه خالف أمراً مباشراً)، فليكن أنَّه خالف تعهّده، وهذا أكيد ينقض العصمة هنا وفي هذا الموقف)(7).
وفي جواب لأحمد إسماعيل يشير إشارة واضحة إلىٰ أنَّه أفضل من نبيّ الله موسىٰ من بعض الجهات، فقد ورد له سؤال نصّه:
(ما المواصفات التي أهَّلتك لهذه المهمّة، أو لنقل: ماهية المواصفات التي ميَّزتك عن باقي أبناء الشيعة لكي يختارك مهديّهم لسفارته؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(عندما كلَّم الله موسىٰ عليه السلام قال له: (إذا جئتَ للمناجاة فاصحب معك من تكون خيراً منه). فجعل موسىٰ عليه السلام لا يعترض أحداً إلَّا وهو لا يجترئ أن يقول: (إنّي خير منه)، فنزل عن الناس، وشرع في أصناف الحيوانات، حتَّىٰ مرَّ بكلب أجرب، فقال: أصحبُ هذا. فجعل في عنقه حبلاً، ثمّ مرَّ به، فلمَّا كان في بعض الطريق نظر موسىٰ عليه السلام إلىٰ الكلب، وقال له: لا أعلم بأيّ لسانٍ تسبِّح الله، فكيف أكون خيراً منك؟ ثمّ إنَّ موسىٰ عليه السلام أطلق الكلب، وذهب إلىٰ المناجاة، فقال الربّ: يا موسىٰ أين ما أمرتك به؟ فقال موسىٰ عليه السلام: يا ربّ لم أجده. فقال الربّ: يا ابن عمران، لولا أنَّك أطلقت الكلب لمحوتُ اسمك من ديوان النبوَّة).
وعقَّب أحمد إسماعيل علىٰ ذلك بقوله:
(وأنا العبد الحقير لا يخطر في بالي أنّي خير من كلب أجرب، بل أراني ذنْباً عظيماً يقف بين يدي ربّ رؤوف رحيم)(8).
وفي كلامه إشارة واضحة إلىٰ أنَّه إنَّما صار مؤهَّلاً للسفارة لأنَّه خير من موسىٰ بن عمران عليه السلام من جهة إنكاره لذاته.

======
المصدر:
http://www.m-mahdi.net/book/105/001.htm#002