إنّا لو نظرنا إلىٰ كتب أحمد إسماعيل كاطع المنسوبة إليه وبياناته وتسجيلاته فإنَّنا نجد فيها كثيراً من الأخطاء الفاضحة التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلاً عن إمام معصوم كما يدَّعيها لنفسه، وحيث إنَّ المقام طويل فإنّي سأقتصـر علىٰ ذكر بعض الأمثلة، وهي عدَّة أنواع:
فإنَّ كتب أحمد إسماعيل اشتملت علىٰ طعون متعدِّدة في مقامات بعض الأنبياء عليهم السلام.
منها: أنَّه زعم في كتابه (المتشابهات) أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام كان يعتقد بأرباب غير الله تعالىٰ، فقال:
(فإبراهيم عليه السلام لـمَّا كُشِفَ له ملكوت السماوات، ورأىٰ نور القائم عليه السلام قال: «هذا ربّي»، فلمَّا رأىٰ نور علي عليه السلام قال: «هذا ربّي»، فلمَّا رأىٰ نور محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هذا ربّي»، ولم يستطع إبراهيم عليه السلام تمييز أنَّهم عباد إلَّا بعد أن كُشِفَ له عن حقائقهم، وتبيَّن أُفولهم وغيبتهم عن الذات الإلهية، وعودتهم إلىٰ الأنا في آنات، وعندها فقط توجَّه إلىٰ الذي فطر السماوات، وعلم أنَّهم عليهم السلام (صنائع الله، والخلق بعد صنائع لهم) كما ورد في الحديث عنهم عليهم السلام)(2).
ولا يخفىٰ أنَّ نبيّ الله إبراهيم عليه السلام أَجَلُّ وأعرف بالله تعالىٰ من أن يقع في هذه الوقعة العظيمة، فيعتقد أنَّ له أرباباً من دون الله تعالىٰ ولو في بعض الآنات؛ إذ كيف يرىٰ نوراً في السماء فيعتقد أنَّه ربّه، ثمّ يرىٰ نوراً آخر، فينصـرف عن اعتقاده الأوّل، ويعتقد أنَّ هذا النور الثاني هو ربّه، ثمّ يرىٰ نوراً ثالثاً، فيعتقد أنَّ هذا النور هو ربّه!؟
مع أنَّ كلام أحمد إسماعيل خلاف ظاهر الآيات الشـريفة، فإنَّ الله تعالىٰ قال: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: 76)، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) (الأنعام: 77)، (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) (الأنعام: 78)، فإنَّه سبحانه وتعالىٰ ذكر أنَّ إبراهيم عليه السلام رأىٰ كوكباً، ثمّ رأىٰ القمر، ثمّ رأىٰ الشمس، وأمَّا أحمد إسماعيل فإنَّه ذكر أنَّه إنَّما رأىٰ أنواراً، ولم يرَ كوكباً أو القمر والشمس.
مع أنَّ إبراهيم عليه السلام لم يخبر بأنَّه يعتقد أنَّ هذه المخلوقات أرباباً له، وإنَّما قال: هذا ربّي؟ علىٰ نحو الإنكار والاستخبار، كأنَّه قال: أهذا ربّي؟ منكراً أن يكون هذا ربَّه، ومستخبراً، أي سائلاً لمن يسمعه، فكأنَّه سأله قائلاً: هل تقول: إنَّ هذا ربّي؟
وقوله تعالىٰ: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) (الأنعام: 83) فيه دلالة واضحة علىٰ أنَّ ما قاله إبراهيم عليه السلام إنَّما كان في مقام الاحتجاج علىٰ قومه، وأمَّا علىٰ تفسير أحمد إسماعيل فالأمر ليس كذلك.
وفي الروايات ما يدلُّ علىٰ ما قلناه، فقد روىٰ الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم، قال: حضـرتُ مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسىٰ عليهما السلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال: «بلىٰ»...
إلىٰ أن قال: فقال المأمون: أشهد أنَّك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقَّاً، فأخبرني عن قول الله عز وجل في حقّ إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)، فقال الرضا عليه السلام: «إنَّ إبراهيم عليه السلام وقع إلىٰ ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزُّهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السَّـرَب(3) الذي أُخفي فيه (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)، فرأىٰ الزهرة قال: (هذا رَبِّي) علىٰ الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ) الكوكب (قالَ لا أُحِبُّ الْأَفِلِينَ)؛ لأنَّ الأُفول من صفات المحدَث لا من صفات القِدَم، (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي) علىٰ الإنكار والاستخبار، (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)، يقول: لو لم يهدني ربّي لكنت من القوم الضالّين، (فَلَمَّا) أصبح و(رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) من الزهرة والقمر علىٰ الإنكار والاستخبار لا علىٰ الإخبار والإقرار، (فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ) للأصناف الثلاثة من عَبَدَة الزهرة والقمر والشمس: (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْـرِكُونَ 78 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْـرِكِينَ 79)، وإنَّما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبيِّن لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أنَّ العبادة لا تحقُّ لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنَّما تحقُّ العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتجَّ به علىٰ قومه ممَّا ألهمه الله تعالىٰ وآتاه كما قال الله عز وجل: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ)»، فقال المأمون: لله درّك يا ابن رسول الله(4).
كما أنَّ أحمد إسماعيل زعم أنَّ نبيّ الله يوسف عليه السلام أشرك، فإنَّه قال:
(وأوحىٰ الله ليوسف: إنَّ هذا السجين سينجو، وسيكون قريباً من الملك (برؤيا السجين)، وأوحىٰ الله ليوسف عليه السلام: إنَّ هذا الملك سيُخرجه من السجن، وإنَّ هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن، ولهذا قال له يوسف عليه السلام: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)، أراد بهذا أن يبيِّن لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطرّ في المستقبل إلىٰ ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلىٰ حاله، وليذكره في المستقبل عند الملك، إذ رأىٰ الرؤيا التي ستكون سبباً في خروج يوسف عليه السلام من السجن. وهنا التفت يوسف عليه السلام إلىٰ الأسباب، ومع أنَّه لم يغفل عن مسبِّب الأسباب كما توهَّم بعضهم أنَّه طلب معونة السجين والملك، وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإنَّ يوسف عليه السلام أشرك عندما جعل للأسباب قيمةً ووزناً في ميزانه، وهو عليه السلام الذي لمس آيات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضـىٰ من حياته، وهذا الشـرك الخفي ذُكِرَ في آخر سورة يوسف: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْـرِكُونَ))(5).
وزعم أحمد إسماعيل كذلك أنَّ موسىٰ كان عنده أيضاً شرك الأنا.
قال في كتابه (رحلة موسىٰ إلىٰ مجمع البحرين):
(إذن، جاء موسىٰ عليه السلام للقاء العبد الصالح؛ لأنَّه ظنَّ أنَّه قد حارب نفسه، وقتل الأنا في داخله، فكان المطلوب منه أن يصبر ويحارب نفسه وهو يرافق العبد الصالح، ولا يقول للعبد الصالح: (لو فعلتَ هذا، ولو لم تفعل هذا)، فهو عندما يواجه من هو أعلىٰ منه مقاماً بهذه الأقوال يظهر بجلاء ووضوح الأنا التي في داخله مقابل من هو مأمور باتّباعه والانصياح لأمره. والحقيقة أنَّ الأمر يعود إلىٰ مواجهة موسىٰ عليه السلام مع الله سبحانه وتعالىٰ، فهو في كلّ مرَّة يقول: (أنا) مقابل العبد الصالح يعني أنَّه قال: (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالىٰ، وهذا هو الامتحان بالتوحيد الذي فشل فيه كثير من السائرين إلىٰ الله، أي إنَّهم يستهينون ربَّما بقولهم: (أنا) مقابل خليفة الله أو مقابل أقواله عندما يقترحون بآرائهم مقابل أمر خلفاء الله _ في حين أنَّها (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالىٰ في حقيقتها وواقعها _ وفي حين أنَّهم جاؤوا للامتحان بهذا، فهم يفشلون ودون حتَّىٰ أن يلتفتوا إلىٰ فشلهم)(6).
بل إنَّه نفىٰ العصمة عن موسىٰ عليه السلام في بعض مراتبها، فقال:
(موسىٰ عليه السلام نبي مرسل من الله معصوم منصوص العصمة، ومع هذا يأمره الله سبحانه أن يتَّبع العبد الصالح ولا يخالفه، وهو نفسه قد تعهَّد بعدم المخالفة (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِـي لَكَ أَمْراً)، ولكنَّه أخلف وعده، وخالف العبد الصالح، ولو كانت المخالفة واحدة وفي مرَّة واحدة لهانت، ولكنَّه خالف في كلّ الامتحانات والاختبارات، فهي كانت ثلاثة، وخالف في ثلاثتها، يعني موسى عليه السلام هنا قد خالف أمر الله، وإذا لم تشأ قَوْل: (إنَّه خالف أمراً مباشراً)، فليكن أنَّه خالف تعهّده، وهذا أكيد ينقض العصمة هنا وفي هذا الموقف)(7).
وفي جواب لأحمد إسماعيل يشير إشارة واضحة إلىٰ أنَّه أفضل من نبيّ الله موسىٰ من بعض الجهات، فقد ورد له سؤال نصّه:
(ما المواصفات التي أهَّلتك لهذه المهمّة، أو لنقل: ماهية المواصفات التي ميَّزتك عن باقي أبناء الشيعة لكي يختارك مهديّهم لسفارته؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(عندما كلَّم الله موسىٰ عليه السلام قال له: (إذا جئتَ للمناجاة فاصحب معك من تكون خيراً منه). فجعل موسىٰ عليه السلام لا يعترض أحداً إلَّا وهو لا يجترئ أن يقول: (إنّي خير منه)، فنزل عن الناس، وشرع في أصناف الحيوانات، حتَّىٰ مرَّ بكلب أجرب، فقال: أصحبُ هذا. فجعل في عنقه حبلاً، ثمّ مرَّ به، فلمَّا كان في بعض الطريق نظر موسىٰ عليه السلام إلىٰ الكلب، وقال له: لا أعلم بأيّ لسانٍ تسبِّح الله، فكيف أكون خيراً منك؟ ثمّ إنَّ موسىٰ عليه السلام أطلق الكلب، وذهب إلىٰ المناجاة، فقال الربّ: يا موسىٰ أين ما أمرتك به؟ فقال موسىٰ عليه السلام: يا ربّ لم أجده. فقال الربّ: يا ابن عمران، لولا أنَّك أطلقت الكلب لمحوتُ اسمك من ديوان النبوَّة).
وعقَّب أحمد إسماعيل علىٰ ذلك بقوله:
(وأنا العبد الحقير لا يخطر في بالي أنّي خير من كلب أجرب، بل أراني ذنْباً عظيماً يقف بين يدي ربّ رؤوف رحيم)(8).
وفي كلامه إشارة واضحة إلىٰ أنَّه إنَّما صار مؤهَّلاً للسفارة لأنَّه خير من موسىٰ بن عمران عليه السلام من جهة إنكاره لذاته.
======
المصدر:
http://www.m-mahdi.net/book/105/001.htm#002
======
المصدر:
http://www.m-mahdi.net/book/105/001.htm#002
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق