الدليل الأوّل:
إن انقطاع النيابة بات من الأمور الواضحة عند علماء الإمامية وعامة شيعة
وأتباع أهل البيت عليهم السلام بل أصبحت بديهية وضرورية عندهم بل حتّى لدى أهل
السُنّة، فإنّ فِرَق أهل السُنّة _ في نظرتهم إلى أتباع مدرسة أهل البيت _ بات
واضحاً لديهم علماءً وعواماً أن من معتقدات وضروريات مذهب أهل البيت عليهم السلام
هو انقطاع النيابة الخاصة والسفارة، بمعنى انقطاع الاتصال بالإمام، ومن ثَمَّ بناءً
على ذلك بدءوا بسلسلة من الشبهات والاعتراضات والإشكالات على أصل عقيدة الإمامة _
وهذه الإشكالات والاعتراضات قد أجيب عنها تفصيلاً في محلها وسنتعرض لاحقاً لجملة
منها إن شاء الله _.
فإنّ الأمر عندهم بلغ مرتبة من الوضوح والبداهة والضرورة بحيث أن نفس
العامة على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم نسبوا لأتباع أهل البيت عليهم السلام مسألة
انقطاع النيابة وأنها لديهم كمسألة عقيدة الغيبة للإمام عليه السلام في الوضوح
والبداهة، فكما أن عقيدة غيبة الإمام ضرورية كذلك انقطاع النيابة الخاصة وبالتالي
فإنّ تفسير عقيدة الغيبة الكبرى بانقطاع النيابة الخاصة والسفارة أمران مقرونان إلى
بعضهما البعض، ومن ثَمَّ جعلوا هذا الاعتقاد عند الإمامية أمراً مفروغاً عنه بل
بديهياً ضرورياً وراحوا يعترضون ويشكلون عليهم على أساسه.
بل إن أبرز إشكالاتهم حول ذلك أن الإمام المهدي عليه السلام إذا كان
غائباً وليس له نوابٌ خاصون ولا سفراء فهو بالتالي منقطع عن المسلمين أي لا اتصال
بينه وبين أتباعه وشيعته ومن يأتم به؟ وهذا الإشكال مذكور في أغلب كتب العامة
الكلامية حيث يشكلون به على أصل الإمامة, فكيف يكون إماماً ولا اتصال له بقاعدته
وكيف يدبر أمور الأمّة؟ فأيّ كتاب كلامي من كتب العامة عندما يبحث عن الإمامة
ويناقش فيها أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وعقيدتهم في الإمامة فإنّ أوّل
نقاش يطرحه هو هذا الإشكال المبتني على انقطاع السفارة والنيابة عند الإمامية فيفهم
من خلال ذلك أنَّ انقطاع السفارة عند الإمامية عقيدة وضرورة كعقيدة أصل الإمامة
وكعقيدة الرجعة و... وإلاّ لم يوردوا إشكالهم لو لم يكن انقطاع السفارة من أوّليات
وبديهيات وضروريات مذهب أتباع أهل البيت عليهم السلام.
الدليل الثاني:
التوقيع المبارك المروي بتوسط النائب
الرابع علي بن محمّد السمري رحمه الله حيث ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في (ص
365) عند ذكره أبي الحسن علي بن محمّد السمري فقال (تحت الرقم 365) وأخبرنا جماعة
عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد
المكتب, قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن
محمّد السمري قدس سره فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم
الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنّك ميت ما
بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت
الغيبة التامة فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة
القلوب وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة
قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي
العظيم). قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه
وهو يجود بنفسه, فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه وقضى. فهذا آخر
كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه(10).
حيث أنه خطاب للنائب الرابع أن يجمع أمره ويبلغ أتباع أهل البيت عليهم
السلام أنه ميت بعد الستة أيام _ وهذا في نفسه إعجاز بأن يحدد الإمام موت السمري
بالتاريخ الصحيح _ وأن لا يوصي إلى أحد من بعده وأن الغيبة الكبرى أو الغيبة التامة
قد وقعت وأن مدعي المشاهدة فهو مفتر كذّاب.
والمقصود بالمشاهدة بقرينة وقوعها في سياق وفاة النائب الرابع والأمر له
بعدم الوصية لأحد هو إبراز المشاهدة لافهام الناس بأنه على اتصال وارتباط بالإمام
عليه السلام وأن له مقام الوساطة معه.
ولا يشترط أن تكون المشاهدة المنهي عنها مزعومة ومعنونة بالسفارة أو
النيابة كما سيـأتي بيانه تحت عنوان (عناوين دعوى السفارة)، وكذلك لا مانع من أصل
المشاهدة من دون إبراز دعوى الاتصال والارتباط أي دعوى منصب ومقام, كما سيأتي تحت
عنوان (التشرف برؤية الإمام المهدي عليه السلام لا يعني الحجية).
فمضمون التوقيع أن الإمام عليه السلام
ينفي دعوى السفارة والنيابة والارتباط والوساطة بعد السمري رضي الله عنه فإنّ هذا
المنصب والمقام بابه مسدود حتّى ظهور الإمام عليه السلام وإتمام البيعة له, وإن كان
الإمام المهدي عليه السلام في التوقيع الشريف قد ذكر حدّاً وغايةً لوقت الصيحة,
ولكن بحسب الروايات المستفيضة والمتواترة التي تبيّن شؤون الظهور ذكرت بأنّ انقطاع
النيابة الخاصة يمتد حتّى بيعة الإمام عليه السلام بين الركن والمقام وأوّل من
يبايع هو جبرائيل عليه السلام، فإنّ هناك صيحة أخرى لجبرائيل بعد الظهور يوم
البيعة، فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (ينادى باسم القائم عليه السلام
فيؤتى وهو خلف المقام، فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثمّ يؤخذ بيده فيبايع).
(قال) وقال لي زرارة: الحمد لله قد كنّا نسمع أن القائم عليه السلام يبايع مستكرها
فلم نكن نعلم وجه استكراهه، فعلمنا أنه استكراه لا إثم فيه(11). ثمّ بعد جبرائيل يبايعه الثلاثمائة وثلاثة عشر من
أنصاره.
فإنّ المستفاد من الروايات أن النيابة الخاصة والسفارة عن المهدي عليه
السلام لا يشغلها أحد ولا تعطى لأحد حتّى تنعقد البيعة للإمام عليه السلام عند
الكعبة وليس أمد ومنتهى ذلك مجرد الصيحة, أو للصيحة، ولكن المراد بها حينئذٍ التي
تقع بعد الظهور, وهذا لأجل التوفيق بين الروايات، وحتّى الروايات الواردة في
الخراساني أو الحسني أو اليماني أو شعيب بن صالح أو النفس الزكية أو... فإنّها لا
تعطيهم أيّ تمثيل رسمي أو نيابة أو أيّ صفة أخرى بل تنفي ذلك عنهم بل تنفي أيّ صفة
وتمثيل رسمي حتّى عن الثلاثمائة والثلاثة عشر حتّى تعقد وتتم البيعة للإمام عليه
السلام ويتشكل الجهاز الرسمي والحكومي للإمام عليه السلام, بشكل معلن فمن ثَمَّ
تبدأ الأدوار أي بعد البيعة.
المصدر:
دعوى السفارة في الغيبة الكبرى
نعم الكلام.. سديد رصين.. بارك الله فيكم.
ردحذف