ذكر المذمومين الذين ادّعوا البابية لعنهم الله
(أخبرنا) جماعة، عن أبي محمّد التلعكبري (هارون بن موسى)، عن أبي علي
محمّد بن همام، (قال): كان الشريعي يكنّى بأبي محمّد.
(قال) هارون: وأظنُّ اسمه كان الحسن وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن
محمّد (الهادي)، ثمّ الحسن بن علي بعده عليهما السلام وهو أوّل من ادّعى مقاماً لم
يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام ونسب
إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء، فلعنته الشيعة، وتبرّأت منه وخرج توقيع
الإمام بلعنه والبراءة منه.
(قال هارون): ثمّ ظهر منه القول بالكفر
والإلحاد، (قال): وكل هؤلاء المدّعين إنما يكون كذبهم أوّلاً على الإمام وأنهم
وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم، ثمّ يترقى الأمر بهم إلى قول
الحلاجية (وهو القول بالحلول أي حلول الله عز وجل والعياذ بالله فيهم) كما اشتهر من
أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى(2).
(قال ابن نوح): أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمّد، (قال): كان محمّد بن
نصير النميري من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام فلمّا توفي أبو محمّد
ادعى مقام أبي جعفر محمّد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى البابية، وفضحه الله
تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمّد بن عثمان له وتبريه منه
واحتجابه عنه وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي.
(قال أبو طالب الأنباري): لما ظهر محمّد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر
(النائب الثاني أبو جعفر العمري) رضي الله عنه _ وتبرأ منه فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر
_ ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه وردّه خائباً.
(وقال) سعد بن عبد الله: كان محمّد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي
وأن علي بن محمّد (الهادي) عليه السلام أرسله، وكان يقول بالتناسخ (أي أن أرواح
الأموات تحلُّ في أجسام الأحياء) ويغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية، ويقول
بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من
التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات وأن
الله عز وجل (تعالى الله) لا يحرَّم شيئاً من ذلك، وكان محمّد بن موسى بن الحسن بن
الفرات يقوي أسبابه ويعضده (أي كان داعية له وناشراً لأكذوبته).
(أخبرني) بذلك عن محمّد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان
أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره، (قال): فلقيته فعاتبته على ذلك، فقال: إن هذا من
اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر.
قال سعد: فلمّا اعتل محمّد بن نصير العلّة التي توفي فيها، قيل له وهو
مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد، فلم يدر من هو؟
فافترقوا بعده ثلاث فرق: قالت فرقة: إنه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمّد
بن موسى بن الفرات، وفرقة قالت: إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد فتفرقوا فلا
يرجعون إلى شيء.
قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمّد (العسكري)
عليه السلام فاجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمّد بن عثمان رحمه الله بنصّ
الحسن عليه السلام في حياته، ولمّا مضى الحسن عليه السلام قالت الشيعة الجماعة له:
ألا تقبل أمر أبي جعفر محمّد بن عثمان وترجع إليه وقد نصَّ عليه الإمام المفترض
الطاعة (أي الإمام العسكري عليه السلام)؟ فقال لهم: لم أسمعه ينصُّ عليه بالوكالة،
وليس أنكر أباه _ يعني عثمان بن سعيد _ فأمّا أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان
فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غيرك.
فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرؤا منه ثمّ ظهر
التوقيع على يد أبي القاسم بن روح رحمه الله بلعنه والبراءة منه في جملة من
لعن.
وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري (نضَّر
الله وجهه) وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها وادّعاؤه
أنه الوكيل حتّى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج من صاحب الزمان عليه السلام ما هو
معروف.
(وحكى أبو غالب الزراري)، قال: حدّثني أبو الحسن محمّد بن محمّد بن يحيى
المعاذي، (قال): كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت
الفرقة، ثمّ إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا، فسألناه عن السبب؟ (قال): كنت عند أبي
طاهر يوماً وعنده أخوه أبو الطيب وابن خزر وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال:
أبو جعفر العمري على الباب، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال:
يدخل، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس
وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم إلى أن سكتوا.
(ثمّ قال): يا أبا طاهر نشدتك الله أو
نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إليَّ؟ فقال:
اللهم نعم، فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة، فلمّا تجلَّت
عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو
جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من
المال إليه، فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام؟ قال:
وقع علي(3) من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب
الزمان عليه السلام فكان هذا سبب انقطاعي عنه.
(أخبرنا) الحسين بن إبراهيم، عن أبي العبّاس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي
نصر هبة الله بن محمّد الكاتب ابن بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري
(قال):
لمّا أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له
(أي اعتقد) أن أبا سهل ابن إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممن تجوز عليه
مخرقته (أي ممن تنطلي عليه أكذوبته)، وتتم عليه حيلته، فوجّه إليه يستدعيه، وظنَّ
أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر (أي ظن) أن يستجره إليه
فيتمخرق ويتصوف بانقياده على غيره (أي ظن أن يجره إليه فيتخذه عضداً وشاهداً على
ادّعائه)، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة لقدر (أي لمكانة)
أبي سهل في أنفس الناس ومحلّه من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته
إيّاه: إنّي وكيل صاحب الزمان عليه السلام _ وبهذا أوّلاً كان يستجر الجهّال ثمّ
يعلو منه إلى غيره _ وقد اُمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك، لتقوى نفسك،
ولا ترتاب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول لك: إني أسألك أمراً يسيراً يخف
مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجل اُحبّ
الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدة أتخطاهن والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه في
كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلاّ انكشف أمري عندهن، فصار القرب
بعداً والوصال هجراً، واُريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفينى مؤنته، وتجعل لحيتي
سوداء، فإنني طوع يديك وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك
من البصيرة، ولك من المعونة.
فلمّا سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل
في الخروج إليه بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً، وصيّره
أبو سهل رضي الله عنه اُحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير
والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه.
(وأخبرني) جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن
بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن (أخي الصدوق) يستدعيه
ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله، (قال):
فلمّا وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه (أي أبي الحسن بن علي بن
بابويه القمي والذي كان وكيلاً للعسكري عليه السلام) خرقها وقال لموصلها إليه: ما
أفرغك للجهالات؟ فقال له الرجل _ وأظن أنه قال: إنه ابن عمّته أو ابن عمّه _ فإن
الرجل قد استدعانا فلِمَ خرقت مكاتبته؟ وضحكوا منه وهزؤوا به، ثمّ نهض إلى دكانه
ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه.
(قال): فلمّا دخل إلى الدار التي كان فيها دكّانه نهض له من كان هناك
جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي فلمّا جلس وأخرج
حسابه ودواته كما تكون التجّار أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره فسمعه
الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له: تسأل عنّي وأنا حاضر؟ فقال له أبي: أكبرتك أيها
الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك، فقال له: تخرق رقعتي وأنا اُشاهدك تخرقها؟ فقال له
أبي: فأنت الرجل إذاً.
(ثمّ قال): يا غلام برجله وبقفاه، فخرج من الدار العدو لله ولرسوله، ثمّ
قال له: أتدعي المعجزات؟ عليك لعنة الله، (أو كما قال)، فاُخرج بقفاه فما رأيناه
بعدها بقم.
(وهو محمّد بن علي الشلمغاني يكنّى بأبي جعفر) أخبرني الحسين بن
إبراهيم، عن أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمّد بن أحمد الكاتب ابن
بنت اُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه، قال: حدّثتني الكبيرة اُمّ كلثوم
بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه.
(قال): كان أبو جعفر ابن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذاك أن
الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلةً وجاهاً فكان
عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم
فيقبلونه منه ويأخذونه عنه، حتّى انكشف ذلك لأبي القاسم فأنكره وأعظمه ونهى بني
بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلم ينتهوا وأقاموا على توليه، وذاك أنه
كان يقول لهم:
إنني أذعت السر وقد اُخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص، لأن
الأمر عظيم لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكّد في نفوسهم
عظم الأمر وجلالته، فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه
والبراءة منه وممن تابعه على قوله، وأقام على توليه، فلمّا وصل إليهم أظهروه عليه
فبكى بكاءً عظيماً.
ثمّ قال: إن لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى
قوله: لعنه الله، أي باعده الله عن العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي، ومرّغ
خديه على التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر.
قالت الكبيرة رضي الله عنها: وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن اُمّ أبي جعفر بن بسطام قالت لي
يوما وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتّى انكبّت على رجلي
تقبلها، فأنكرت ذلك وقلت لها: مهلاً يا ستّي فإن هذا أمر عظيم، وانكببت على يدها
فبكت.
ثمّ قالت: كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها: وكيف ذاك يا
ستي؟ فقالت لي: إن الشيخ يعني أبا جعفر محمّد بن علي خرج إلينا بالسر، قالت: فقلت
لها: وما السر؟ قالت: قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت، قالت:
وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه
يعني أبا القاسم الحسين بن روح.
قالت: إن الشيخ أبا جعفر (ابن أبي العزاقر) قال لنا: إن روح رسول الله
صلى الله عليه وآله انتقلت إلى أبيك _ تعني أبا جعفر محمّد بن عثمان رضي الله عنه
_، وروح أمير المؤمنين علي عليه السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن
روح، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك، فكيف لا اُعظمك يا
ستّنا!
فقلت لها: مهلاً لا تفعلي، فإن هذا كذب يا ستنا. فقالت لي: سر عظيم، وقد
اُخذ علينا أن لا نكشف هذا لأحد، فالله الله فيَّ، لا يحل بي العذاب، ويا ستّي لولا
أنك حملتني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد غيرك.
قالت الكبيرة اُمّ كلثوم رضي الله عنها: فلمّا انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه
فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي، فقال لي: يا بنية إيّاك أن تمضي إلى
هذه المرأة بعدما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك، ولا رسولاً إن أنفذته
إليك، ولا تلقيها بعد قولها، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل
الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد
به، وحلَّ فيه، كما تقول النصارى في المسيح عليه السلام ويعدو إلى قول الحلاج (لعنه
الله).
قالت: فهجرت بني بسطام، وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت
اُمّهم بعدها، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبقَ أحد إلاّ وتقدم إليه الشيخ أبو
القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه ومن يتولاه ورضي بقوله أو
كلّمه فضلاً عن موالاته.
ثمّ ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن أبي جعفر محمّد بن علي
والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا
التوقيع.
وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة ننزّه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح
وغيره.
(وكان) سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح واشتهر أمره وتبرأ
منه وأمر جميع الشيعة بذلك، لم يمكنه التلبيس، فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة
وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه: أجمعوا بيني وبينه حتّى آخذ يده
ويأخذ بيدي، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلاّ فجميع ما قاله فيَّ حق،
ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه وقتله، فقتل
واستراحت الشيعة منه.
(وقال) أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود: كان محمّد بن الشلمغاني
المعروف بابن أبي العزاقر (لعنه الله) يعتقد القول بحمل الضد، ومعناه أنه لا يتهيأ
إظهار فضيلة للولي إلاّ بطعن الضد فيه، لأنه يحمل السامع طعنه على طلب فضيلته فإذن
هو أفضل من الولي إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلاّ به، وساقوا المذهب من وقت آدم
الأوّل إلى آدم السابع، لأنهم قالوا: (سبع عوالم وسبع أوادم، ونزلوا إلى موسى
وفرعون ومحمّد وعلي مع أبي بكر ومعاوية).
وأما في الضد فقال بعضهم: الولي ينصب
الضد ويحمله على ذلك كما قال قوم من أصحاب الظاهر: إن علي بن أبي طالب نصب أبا بكر
في ذلك المقام، وقال بعضهم: لا، ولكن هو قديم معه لم يزل، قالوا: والقائم الذي
ذكروا أصحاب الظاهر أنه من ولد الحادي عشر فإنه يقوم، معناه إبليس، لأنه قال:
((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ
إِبْلِيسَ))(4) ولم يسجد، ثمّ قال: ((لأََقْعُدَنَّ لَهُمْ
صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ))(5) فدلَّ على أنه كان قائماً في وقت ما اُمر بالسجود ثمّ
قعد بعد ذلك، وقوله: يقوم القائم إنما هو ذلك القائم الذي اُمر بالسجود فأبى وهو
إبليس لعنه الله.
وقال شاعرهم لعنهم الله:
يا لاعناً بالضد من عدي
|
|
ما الضد إلاّ ظاهر الوليَّ
|
والحمد للمهيمن الوفي
|
|
لست على حال كحمامي
|
ولا حجامي ولا جغدي
|
|
قد فقت من قول على الفهدي
|
نعم وجاوزت مدى العبدي
|
|
فوق عظيم ليس بالمجوسي
|
لأنه الفرد بلا كيفي
|
|
متحد بكل أوحدي
|
مخالط للنوري والظلمي
|
|
يا طالباً من بيت هاشمي
|
وجاحداً من بيت كسروي
|
|
قد غاب في نسبة أعجمي
|
في الفارسي الحسب الرضي
|
|
كما التوى في العرب من لوي
|
(وقال الصفواني): سمعت أبا علي بن همام يقول: سمعت محمّد بن علي
العزاقري الشلمغاني يقول: الحق واحد وإنما تختلف قمصه فيوم يكون في أبيض ويوم يكون
في أحمر، ويوم يكون في أزرق، (قال ابن همام): فهذا أوّل ما أنكرته من قوله لأنه قول
أصحاب الحلول.
(وأخبرنا) جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي علي محمّد بن
همام، أن محمّد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم، ولا طريقاً له
ولا نصبه أبو القاسم بشيء من ذلك على وجه ولا سبب ومن قال بذلك فقد أبطل وإنما كان
فقيهاً من فقهائنا فخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر الكفر والإلحاد عنه، فخرج فيه
التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة منه وممن تابعه وشايعه وقال
بقوله.
(وأخبرني) الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة
الله بن محمّد بن أحمد، قال: حدّثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز
المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن رهومة النوبختي _ وكان شيخاً مستوراً _
قال: سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول: لما عمل محمّد بن علي الشلمغاني كتاب
التكليف قال الشيخ _ يعني أبا القاسم رضي الله عنه _: اُطلبوه إليَّ لأنظره، فجاؤا
به فقرأه من أوّله إلى آخره فقال: ما فيه شيء إلاّ وقد روى عن الأئمّة إلاّ موضعين
أو ثلاثة فإنه كذب عليهم في روايتها (لعنه الله).
(وأخبرني) جماعة عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود، وأبي عبد الله
الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أنهما قالا: مما أخطأ محمّد بن علي في
المذهب في باب الشهادة أنه روى عن العالم (الكاظم) عليه السلام أنه قال: إذا كان
لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه عنه، ولم يكن له من البيّنة عليه إلاّ شاهد واحد
وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته فإذا أقامها عندك شهدت معه عند
الحاكم على مثل ما يشهد عنده لئلاّ يتوى (يهلك) حق امرئ مسلم، (واللفظ لابن بابويه)
وقال: هذا كذب منه ولسنا نعرف ذلك، وقال في موضع آخر: كذب فيه.
المصدر:
دعوى السفارة في زمن الغيبة الكبرى
للشيخ محمد سند حفظه الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق